سورة سبأ - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السموات والارض} أمرَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بتبكيتِ المشركين بحملهم على الإقرارِ بأنَّ آلهتَهم لا يملكونَ مثقالَ ذَرَّةِ فيهما وأنَّ الرَّازقَ هو الله تعالى فإنَّهم لا ينكرونه كما ينطقُ به قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والارض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والابصار وَمَن يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى وَمَن يُدَبّرُ الامر فَسَيَقُولُونَ الله} وحيث كانُوا يتلعثمُون أحياناً في الجواب مخافةَ الإلزامِ قيل له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ {قُلِ الله} إذ لا جوابَ سواهُ عندهم أيضاً {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} أي وإنَّ أحدَ الفريقينِ من الذين يوحِّدون المتوحِّدَ بالرِّزقِ والقُدرة الذَّاتيةِ ويخصونه بالعبادة والذين يُشركون به في العبادةِ الجمادَ النَّازلَ في أدنى المراتبِ الإمكانية لعلى أحدِ الأمرينِ من الهُدى والضَّلالِ المُبين وهذا بعد ما سبق من التَّقرير البليغ النَّاطقِ بتعيين من هُو على الهدى ومن هو في الضَّلالِ أبلغ من التَّصريحِ بذلك لجريانه على سَننِ الإنصاف المُسكتِ للخَصمِ الألدِّ. وقرئ: {وأنَا أو إيَّاكم إما على هُدى أو في ضلال مبين}، واختلافُ الجارِين للإيذان بأنَّ الهاديَ كمن استعلى مناراً ينظرُ الأشياءَ ويتطلَّع عليها والضَّالُّ كأنَّه منغمسٌ في ظلامٍ لا يَرى شيئاً أو محبوسٌ في مطمورةٍ لا يستطيعُ الخروجَ منها.


{قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وهذا أبلغُ في الإنصافِ وأبعدُ من الجَدَلِ والاعتسافِ حيثُ أسند فيه الإجرامُ وإنْ أُريد به الزَّلَّةُ وتركُ الأولى إلى أنفسهم، ومطلقُ العمل إلى المخاطبين مع أنَّ أعمالهم أكبرُ الكبائرِ {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يومَ القيامةِ عند الحشرِ والحسابِ {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} أي يحكمُ بيننا ويفصلُ بعد ظهورِ حالِ كلَ منّا ومنكم بأن يدخل المحقِّين الجنة والمبطلين النار. {وَهُوَ الفتاح} الحاكم الفيصلُ في القضايا المتعلِّقةِ {العليم} بما ينبغي أنْ يُقضى به {قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ} أي ألحقتمُوهم {بِهِ شُرَكَاء} أُريد بأمرهم بإراءةِ الأصنامِ مع كونها بمرأى منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إظهار خطئِهم العظيمِ وإطلاعهم على بُطلانِ رأيهم أي أَرُونيها لأنظرَ بأيِّ صفةٍ ألحقتُموها بالله الذي ليسَ كمثلِه شيءٌ في استحقاقِ العبادةِ، وفيه مزيدُ تبكيتٍ لهم بعد إلزامِ الحجَّةِ عليهم {كَلاَّ} ردعٌ لهم عن المشاركةِ بعد إبطالِ المقايسةِ {بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم} أي الموصوفُ بالغلبةِ القاهرةِ والحكمةِ الباهرةِ فأينَ شركاؤكم التي هي أخسُّ الأشياءِ وأذلُّها من هذه الرُّتبةِ العاليةِ، والضَّميرُ إمَّا لله عزَّ وعَلاَ أو للشَّأنِ كما في {قُلْ هُو الله أحدٌ} {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} أي إلا إرسالةً عامَّةً لهم فإنَّها إذا عمَّتهم فقد كفتْهمِ أنْ يخرجَ منها أحدٌ منهم أو إلا جامعاً لهم في الإبلاغِ فهو حالٌ من الكافِ والتَّاءِ للمُبالغةِ ولا سبيلَ إلى جعلِها حالاً من النَّاسِ لاستحالةِ تقدُّمِ الحالِ على صاحبها المجرورِ {بَشِيراً وَنَذِيراً ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك فيحملُهم جهلُهم على ما هُم عليهِ من الغيِّ والضَّلالِ {وَيَقُولُونَ} من فرطِ جهلِهم وغايةِ غيِّهم {متى هذا الوعد} بطريقِ الاستهزاءِ يعنون به المبشَّر به والمنذَر عنه أو الموعود بقوله تعالى: {يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا} {إِن كُنتُمْ صادقين} مخاطِبين لرَّسولِ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به {قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ} أي وعدُ يومٍ أو زمانٍ وعدٍ والإضافة للتبيِّينِ وقرئ: {ميعادٌ يومٌ} منَّونينِ على البدل ويوماً بإضمارِ أعني للتَّعظيم {لاَّ تَسْتَئَخِرُونَ عَنْهُ} عند مفاجأتِه {سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} صفةً لميعادُ وفي هذا الجواب من المبالغةِ في التَّهديدِ ما لا يخفى حيثُ جعل الاستئخارَ في الاستحالةِ كالاستقدامِ الممتنعِ عقلاً وقد مرَّ بيانُه مراراً ويجوزُ أنْ يكونَ نفيُ الاستئخار والاستقدامِ غيرَ مقيَّدٍ بالمُفاجأة فيكون وصفُ الميعادِ بذلك لتحقيقِه وتقريرِه.


{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من الكتبِ القديمةِ الدَّالَّةِ على البعث وقيل: إنَّ كُفَّار مكَّةَ سألُوا أهلَ الكتابِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرُوهم أنَّهم يجدون نعتَهُ في كتبهم فغضبُوا فقالُوا ذلكَ وقيل: الذي بين يديه القيامة {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون} المنكرون للبعث {مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ} أي في موقفِ المحاسبة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} أي يتحاورونَ ويتراجعون القولَ {يَقُولُ الذين استضعفوا} بدل من يرجع إلخ أي يقول الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} في الدُّنيا واستتبعوهم في الغيِّ والضَّلالِ {لَوْلاَ أَنتُمْ} أي لولا إضلالُكم وصدُّكم لنا عن الإيمانِ {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} باتباع الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ {قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا} استئنافٌ مبنيٌّ على السُّؤال كأنَّه قيل: فماذا قال الذين استكبرُوا في الجواب فقيل قالُوا: {أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} مُنكرين لكونهم هم الصَّادِّين لهم عن الإيمانِ مُثبتين أنَّهم هم الصَّادُّون بأنفسهم بسبب كونِهم راسخين في الإجرام {وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} إضراباً على إضرابِهم وإبطالاً له {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} أي بل صدَّنا مكرُكم بنا باللَّيلِ والنَّهارِ فحُذف المضافُ إليه وأقيم مقامَه الظَّرفُ اتَّساعاً أو جُعل ليلُهم ونهارُهم ماكريْنِ على الإسناد المجازي. وقرئ: {بل مكرٌ اللَّيلَ والنَّهارَ} بالتَّنوينِ ونصب الظَّرفينِ أي بل صدَّنا مكرُكم في اللَّيلِ والنَّهارِ على أنَّ التَّنوينَ عوضٌ عن المُضافِ إليه أو مكرٌ عظيمٌ على أنَّه للتَّفخيمِ. وقرئ: {بل مكرٌ اللَّيلِ والنَّهارِ} بالرَّفعِ والنَّصبِ أي تمكرون الاغواء مكراً دائباً لا تفترون عنه فالرفع على الفاعلية أي بل صدَّنا مكركم الإغواء في اللَّيل والنَّهارِ على ما سبق من الاتِّساع في الظَّرفِ بإقامتِه مقامَ المضافِ إليه والنَّصبِ على المصدرية أي بل تمكرون الإغواءِ مكرَ اللَّيلِ والنَّهارِ أي مكراً دائماً قولُه تعالى {إِذْ تَأْمُرُونَنَا} ظرفٌ للمكرِ أي بل مكرُكم الدَّائمُ وقتَ أمرِكم لنا {أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} على أنَّ المرادَ بمكرِهم إمَّا نفسُ أمرِهم بما ذُكر كما في قولِه تعالى: {لِقَوْمِهِ ياقوم اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} فإنَّ الجعلينِ المذكورينِ نعمةٌ من الله تعالى وأيُّ نعمةٍ، وإما أمورٌ أُخَرُ مقارنة لأمرهم داعية إلى الامتثال به من التَّرغيب والتَّرهيبِ وغير ذلك {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أي أضمرَ الفريقانِ الندامة على ما فَعَلا من الضَّلالِ والإضلالِ وأخفاها كلٌّ منهما عن الآخرِ مخافةَ التَّعييرِ أو أظهرُوها فإنَّه من الأضدادِ وهو المناسب لحالِهم {وَجَعَلْنَا الاغلال فِى أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} أي في أعناقِهم. والإظهارُ في موضعِ الإضمارِ للتَّنويهِ بذمِّهم والتنَّبيهِ على موجب أغلالِهم {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي لا يُجزون إلاَّ جزاءَ ما كانُوا يعملون أو إلاَّ بما كانُوا يعملونه على نزعِ الجارِّ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7